Falsafaliljamee

المنهجية و الإنشاء

الإنشاء -صيغة النص: هوية الشخص.

نص الفيلسوف جول لاشوليي:       من الأكيد أنّنا ننظر لأنفسنا على أنّنا شخص واحد، وأنّنا نفس الشخص في كلّ فترات عمرنا، لكن هذه الهويّة التي ننسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أن فينا عنصرا ثابتا، أنا حقيقيّا وثابتا؟     لنسجّل أنّ الوقائع تُكذّب كلّيا هذه الفرضية، فالإنسان الذي هو في حالة نوم ليس له إلاّ أنا متخيّل يتبخّر عندما يستيقظ، كما أنّ ضربة واحدة على الرأس تكفي لحفر هوّة عميقة بين أنا اليوم وأنا البارحة لأنّها تشلّ ذكرياتنا، ونحن نعرف كذلك حالة بعض المرضى الذين لديهم أنا أوّل وأنا آخر يتناوبان فيما بينهما وأحدهما يعرف الآخر …     أن نقول بأنّنا نرجع حالاتنا الداخلية إلى “أنانا“ معناه أن نقول إنّنا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصّة إلى أنا ما أو إلى ذات حاملة عامة …، وليس هناك سوى شيئين يمكن أن يجعلاننا نحسّ بهويّتنا أمام أنفسنا وهما: دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، وترابط ذكرياتنا، ذلك أنّ لدينا نفس الطريقة الخاصّة في ردّ فعلنا تجاه ما يؤثّر علينا، أي أنّ نفس العلامة تسم ردّ فعلنا الأخلاقي وتطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصيّ …    إضافة إلى ذلك فإنّ ذكرياتنا تشكّل على الأقلّ بالنسبة للقسم القريب من حياتنا سلسلة مترابطة الأطراف: فنحن نرى أنّ حالتنا النفسية الحالية تتولّد من حالتنا النفسية السابقة…  هكذا يمتدّ وعينا التذكّري في الماضي ويتملّكه ويربطه بالحاضر،   ليست هويّتنا الشخصية إذن كما كان متداولا من قبل، معطى أوّليا أصليّا في شعورنا، بل إنّها ليست إلاّ صدى مباشرا أو غير مباشر، متواصلا أو متقطّعا لإدراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة، إذن نحن لسنا أمام أعيننا سوى ظواهر يتذكّر بعضها بعضا. أحلل النص وأناقشه.    1- مطلب الفهم:        “اعرف نفسك بنفسك“ نداء قديم أطلقه الفيلسوف اليوناني سقراط يدعو فيه كل انسان أن يعرف نفسه بنفسه، غير أن  رحلة معرفة الإنسان لنفسه كانت ولا زالت محفوفة بالعديد من المآزق والمعضلات  الفكرية ، وهذا ما سيتجلى لنا  واضحا من خلال تحليل النص موضوع الدراسة، الذي يتموقع  ضمن المجال الإشكالي الانطولوجي للوضع البشري المرتبط بمفهوم الشخص، وتحديدا مسألة هوية الشخص، التي تتسم بالزئبقية والتعقيد، وتضعنا أمام إشكال يفجر المألوف المتداول بصدد ماهية الشخص، بدءا من الافرازات الإيتيمولوجية إلى أقصى التخوم الإبستيمية، فإذا كانت الهوية تشير إلى مجموع الخصائص الجوهرية الثابتة، فإن هذا يستلزم ثبات الشخص وتطابقه مع ذاته في كل مراحل حياته، غير أن الإنسان هو سيرورة من التغير المستمر، لدرجة تجعلنا نقول إن الثابت في الشخص هو المتغير، بيْدَ أنَّ طِباعَنا ثابتة، وقد يقول قائل هي ليست طباع بل سلطة العادة، لكن ماذا عن البرمجة والتعديل والتلاعب الهوياتي وغيرها من الاختراقات التي تستطيع استبدال الهويات إلى مسح الذاكرة الشخصية والجمعية، هذه المفارقات وغيرها  تجرُّنا الى طرح الإشكالية التالية: – أين تكمن هوية الشخص؟ – هل في المظهر الخارجي كالجسد واللباس والاقنعة،أم في البعد الباطني كالفكر والذاكرة؟  – هل الهوية تقوم على الوحدة والتطابق، أم التعدد والتنوع؟ – ألا يمكن اعتبار هوية الشخص واقعة تركيبية أم أنها مجرد وهم؟ تجدر الإشارة أن النص يعمق الإشكالية بتساؤلات ضمنية من قبيل: – ما الشخص؟  -ما الهوية؟   -ما الطبع والمزاج؟ – ما الذاكرة؟ –هل يمكن اعتبار وحدة الطبع والذاكرة بعدين أساسيين لإدراك هوية الشخص؟  2-مطلب التحليل:     في معرض جوابه على هذه الاشكالية تقدم النص بأطروحة رافضة للتصور الماهوي لهوية الشخص، وهو رأي يفترض امتلاك الشخص لهوية ثابتة معطاة للإنسان بشكل فطري، في المقابل يؤكد الفيلسوف لاشوليي أن الأنا تتسم بالدينامية ، وما يمنحها الوحدة  ضمن سيرورة التغير هما: وحدة الطبع والمزاج أو السمة العامة للشخص، ثم الذاكرة التي تربط بين أزمنة الذات، بمعنى أن الطبع الذي يلازم الشخص مع آلية التذكر هما أساس وحدتنا النفسية رغم مختلف التغيرات التي تصاحب حياتنا. ولتوضيح وجهة نظره وظف بنية مفاهيمية شكلت الاطار النظري لموقفه حيث حدد مفهوم الهوية بالخصائص التي تجعل الشخص هو نفسه في وحدة مع ذاته،  والأنا/ الشخص  هي الذات الحاملة العامة المتميزة بأبعاد داخلية تحدد ما هو وتجعله هو نفسه مطابق لذاته، ومفهوم الطبع والمزاج والذي يعني الطريقة الخاصة في رد فعلنا تجاه ما يؤثر فينا أي العلامة التي تسم رد فعلنا الأخلاقي وتطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصي. ومفهوم الذاكرة باعتبارها سلسلة مترابطة الأطراف تربط الحاضر بالماضي واللاحق بالسابق. ويمكن أن نلاحظ أن صاحب النص يصدر عن مرجعية نفسية سيكولوجية يتخد فيها مفهوما الطبع والذاكرة  دلالة قوية، بحيث يتلازمان ليحددا البعد الهوياتي للشخص. لكن كيف دافع الفيلسوف عن وجهة نظره؟  لإقناعنا بدعواه وظف صاحب النص استراتيجية حجاجية استهلها بفرضية ثبات الهوية وسكونها وتطابقها في كل فترات عمرنا، مع تشكيكه في صحة هذا الافتراض من خلال سؤاله عن مدى مصداقية هذا الطرح الأكثر تداولا، ليصل بنا إلى وقائع تجريبية تدحض وتفنذ مضمونه بأمثلة تمنح سندا واقعيا امبيريقيا للتجريد الفلسفي قدمها كما يلي: تحول الإنسان من حال إلى اخر، بين النوم واليقظة، فالشخص ليس هو هو إذ سرعان ما يصبح الشخص حين يقظته ذاتا مغايرة تتسم بالوعي والانتباه والارادة، خلافا لهوية ذاته حين نومه. كما أن تعرض الانسان إلى ضرب شديد أو اصطدامات قوية، قد يكون سببا في  التحول من حال إلى آخر، فلا يحافظ على الأنا التي كان يمتلكها قبل تعرضه للضرب على راسه، ليصل الى واقعة الحالات المرضية التي تسبب تغييرا في احوال ذات الإنسان، وخصوصا الامراض المتعلقة بالحياة النفسية وبمزاج الشخص، فلا يكون هو هو في كل لحظة. ودائما باعتماد ضمير الجمع واقحام المتلقي في عرضه الاستدلالي وفق اسلوب الاستشهاد بالاجماع ينتقل بنا جول لاشولييه لعرض ما يجعلنا نحس بهويتنا أمام أنفسنا وهما محددين اثنين: دوام نفس الطبع أو نفس المزاج وترابط ذكرياتنا وتفسيره لهذين الشيئين  حيث نصص على اهمية الذاكرة كبعد يشكل سلسلة مترابطة الاطراف لكونها تربط بين ازمنة الذات لقوله ” هكذا يمتد وعينا التذكري في الماضي ويتملكه ويربطه بالحاضر …”  ليختتم مرافعته باستنتاج منطقي يعرض من خلاله موقفه بديلا للقول بثبات هوية  الشخص، ودحضه للتصور الماهوي المتداول من قبل والذي يعتبر هوية الشخص معطاة من الأصل، بل هي طبع يتكون، وهي سيرورة ذاكرة، أي طبع متحول وذاكرة متغيرة، “ إذن نحن لسنا أمام أعيننا سوى ظواهر يتذكّر بعضها بعضا”، فضلا عن الروابط اللغوية والمنطقية التي منحت النص تماسكا ومعنى.   3-مطلب المناقشة:       تكتسي أطروحة النص قيمة فلسفية، سيكولوجية، وتربوية، وهو ما يكشف دور الفلسفة في رفض الأفكار الجاهزة، وهذا يتضح من خلال نفي الفيلسوف لإمكانية العثور على هوية فطرية قبلية ممتدة في الزمان والمكان دون تغير،  معترفا أن حقيقة الشخص متغيرة لكن ما يجعل الشخص في تطابق مع ذاته طبعه وذاكرته، كاشفا تهافت التصور الفلسفي الماهوي من خلال رفضه أن

الإنشاء -صيغة النص: هوية الشخص. قراءة المزيد »

Scroll to Top